مقعد القطار رقم 9

صورة
لم يكن يوم الثلاثاء يحمل أي مفاجآت بالنسبة لـ"سليم"، شاب ثلاثيني يعمل كمصمم جرافيك حر، يقيم في عمّان، ويقضي يومه بين شاشته المضيئة وفناجين القهوة المتناثرة على الطاولة. ومع الوقت، تحولت رحلته الأسبوعية إلى إربد بالقطار، كل ثلاثاء، إلى عادة مملة لكنه مضطر لها، فهناك مشروع تصوير خاص يتابعه لأحد المعارض الفنية. كان يركب القطار نفسه، في التوقيت نفسه، ويجلس دوماً في مقعده المفضل: رقم 9، بجانب النافذة، حيث يستطيع أن يغرق في عالمه الخاص ويهرب من صخب الواقع. في أحد تلك الصباحات الرمادية، وبينما كان يخطو خطواته المألوفة نحو المقعد، لاحظ شيئًا غريبًا. فتاة شابة تجلس في مقعده، أو على الأقل المقعد الذي أصبح يعتبره ملكًا شخصيًا له. كانت ترتدي معطفًا رماديًا واسعًا، وشعرها مرفوع بخفة، وعيناها مثبتتان على رواية مفتوحة بعنوان "وتلك الأيام". جلس بجانبها بصمت بعد أن تحقق من رقم تذكرته مرتين، ثم همس لها بلطف: "أعتقد إنك قاعدة بمكاني…" رفعت الفتاة عينيها إليه، وبابتسامة هادئة ردت: "آه؟ أوه، آسفة، بس أنا همّ تذكرتي 9B. أنت 9A، على الجهة الثانية." ضحك سليم بهدوء. لم ي...

"حب عبر المسافات: من بغداد إلى الأبد"

 في بغداد، وسط ضجيج الحياة اليومية وضوء الشمس الذي يعكس لمعانه على نهر دجلة، كانت زهراء فتاة تبلغ من العمر 21 عامًا، تحمل في قلبها أحلامًا وردية حول الحب والمستقبل. لم تتوقع يومًا أن حياتها ستتغير بفضل رسالة بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ظهر لها اسم غريب لم يكن مألوفًا لديها من قبل: عمر.

عمر، شاب في السابعة والعشرين من عمره، كان يعيش في الولايات المتحدة منذ سنوات، لكنه لم ينسَ جذوره العراقية. كان يتصفح وسائل التواصل عندما صادف منشورًا كتبته زهراء، فأعجبته كلماتها وطريقتها في التعبير. لم يتردد في إرسال رسالة، لم يكن يعلم أن هذه الرسالة ستكون بداية قصة حب تغير حياته.

بدأت المحادثات بينهما بشكل عفوي، كلمات بسيطة هنا وهناك، ثم تحولت إلى ساعات من الحديث العميق حول الحياة، الأحلام، الذكريات، والوطن. كان هناك انسجام غريب بينهما، وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن بعيد. زهراء كانت تجد في عمر رجلاً ناضجًا وحكيمًا، يشاركها اهتماماتها وأحلامها، بينما كان عمر يرى في زهراء روحًا نقية، تذكره ببغداد التي اشتاق إليها.

مع مرور الأيام، ازدادت مشاعرهما عمقًا، وأصبح كل منهما ينتظر رسالة الآخر بفارغ الصبر. كان الحب ينمو بينهما رغم المسافات، وكان قلباهما يلتقيان في عالمهما الافتراضي قبل أن يلتقيا في الواقع. حتى جاء ذلك اليوم الذي قرر فيه عمر العودة إلى بغداد.

كان قرارًا لم يكن سهلًا، لكنه شعر أن قلبه يناديه، ليس فقط إلى وطنه، ولكن إلى زهراء. أخبرها بنيته العودة، فغمرتها مشاعر مختلطة بين الفرح والقلق، هل سيكون لقاؤهما الأول كما تخيلته؟ هل ستبقى مشاعرهما قوية كما كانت عبر الشاشات؟

عاد عمر إلى بغداد بعد غياب طويل. كانت المدينة قد تغيرت كثيرًا، لكنه شعر أن جزءًا منه ما زال ينتمي إليها. وعندما حان وقت اللقاء، كان قلبه ينبض بقوة. التقى بزهراء لأول مرة في أحد المقاهي الهادئة المطلة على النهر. عندما وقعت عيناه عليها، أدرك أن كل مشاعر الحب التي شعر بها عبر الكلمات كانت حقيقية. نظرت إليه زهراء بخجل وابتسامة تملأ وجهها، وشعر كلاهما أن القدر قد جمعهما في المكان والزمان الصحيحين.

بعد فترة من اللقاءات والتعارف العميق، قرر عمر أن يتقدم لخطبة زهراء. ذهب مع عائلته إلى بيتها، وهناك تم استقبالهم بترحاب. كان والد زهراء سعيدًا برؤية ابنته سعيدة، وأعجب بعمر الذي بدا عليه النضج والاحترام. تمت الخطبة وسط أجواء من الفرح والاحتفال، وبدأت زهراء تحلم بحياتها الجديدة بجانب عمر.

مرت الأشهر بسرعة، وتزوج عمر وزهراء في حفل جميل جمع العائلتين والأصدقاء. كانت ليلة زفافهما مليئة بالفرح والضحك، وبداية لحياة جديدة مليئة بالحب والاحترام.

بعد عام من زواجهما، أنجبت زهراء طفلتهما الأولى، فتاة جميلة أسموها "روح"، فقد كانت روحًا جديدة أضافت نورًا إلى حياتهما. كان عمر أبًا محبًا وزوجًا مسؤولًا، بينما كانت زهراء أمًا حنونة تهتم بعائلتها بكل حب.

مرت السنوات، وكبر حلمهما العائلي عندما أنجبت زهراء طفلتهما الثانية "أحلام"، لتكتمل سعادتهما. كانت الأسرة تنعم بالحب والاستقرار، لكن عمر كان يحمل في داخله رغبة في العودة إلى الولايات المتحدة، حيث يمكنه أن يوفر مستقبلاً أفضل لعائلته.

بعد تفكير طويل، قررا السفر إلى الولايات المتحدة ليبدآ فصلًا جديدًا في حياتهما. رغم الحنين إلى بغداد، كانا يعلمان أن الحب الذي جمعهما سيظل قويًا أينما ذهبا. استقرا في بلد جديد، لكن بغداد ظلت تسكن في قلبيهما، يتذكرانها في أحاديثهما وفي كل ذكرى جميلة جمعتهما.

وهكذا، استمرت قصة عمر وزهراء، حب بدأ برسالة، ونما رغم المسافات، وازدهر وسط تحديات الحياة. كانت رحلتهما مليئة بالتحديات، لكن الحب والإخلاص كانا دوماً سر نجاحهما، ليعيشا حياة سعيدة مليئة بالحب والأمل.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"القلعة المهجورة: رحلة البقاء على قيد الحياة"

"ظلال أركانتا: سر الأومبرا".

الغابة المسكونة