مقعد القطار رقم 9

صورة
لم يكن يوم الثلاثاء يحمل أي مفاجآت بالنسبة لـ"سليم"، شاب ثلاثيني يعمل كمصمم جرافيك حر، يقيم في عمّان، ويقضي يومه بين شاشته المضيئة وفناجين القهوة المتناثرة على الطاولة. ومع الوقت، تحولت رحلته الأسبوعية إلى إربد بالقطار، كل ثلاثاء، إلى عادة مملة لكنه مضطر لها، فهناك مشروع تصوير خاص يتابعه لأحد المعارض الفنية. كان يركب القطار نفسه، في التوقيت نفسه، ويجلس دوماً في مقعده المفضل: رقم 9، بجانب النافذة، حيث يستطيع أن يغرق في عالمه الخاص ويهرب من صخب الواقع. في أحد تلك الصباحات الرمادية، وبينما كان يخطو خطواته المألوفة نحو المقعد، لاحظ شيئًا غريبًا. فتاة شابة تجلس في مقعده، أو على الأقل المقعد الذي أصبح يعتبره ملكًا شخصيًا له. كانت ترتدي معطفًا رماديًا واسعًا، وشعرها مرفوع بخفة، وعيناها مثبتتان على رواية مفتوحة بعنوان "وتلك الأيام". جلس بجانبها بصمت بعد أن تحقق من رقم تذكرته مرتين، ثم همس لها بلطف: "أعتقد إنك قاعدة بمكاني…" رفعت الفتاة عينيها إليه، وبابتسامة هادئة ردت: "آه؟ أوه، آسفة، بس أنا همّ تذكرتي 9B. أنت 9A، على الجهة الثانية." ضحك سليم بهدوء. لم ي...

"عقول مستعبدة: زهراء في بغداد المستقبل"

 في بغداد المستقبل، حيث المدن العائمة والتكنولوجيا التي تفوقت على الخيال، كانت هناك فتاة تدعى زهراء، تبلغ من العمر 21 عامًا، تعيش في قلب مدينةٍ تعج بالابتكارات، لكنها أيضًا مليئة بالتحديات.

زهراء لم تكن كأي فتاةٍ أخرى، فقد وُلدت في أسرة عادية، لكن طموحها كان استثنائيًا. لطالما حلمت بأن تصبح عالمة في الهندسة البيولوجية، أن تخترع شيئًا يغير حياة الناس، لكنّ الواقع كان صعبًا؛ فالعالم لم يكن مكانًا يسهل فيه تحقيق الأحلام، حتى في بغداد التي تحولت إلى مركز علمي متطور.

في شوارع المدينة المضيئة بألوان النيون، حيث الطائرات بدون طيار تحلق في السماء، كانت زهراء تمشي يوميًا نحو جامعتها، جامعة بغداد العلمية المتقدمة، المكان الذي أصبح رمزًا للعلم والتقدم. كان حلمها هو اختراع تقنية جديدة تمكن البشر من تجاوز حدودهم الجسدية، تقنية تعزز القدرات العقلية والجسدية، لكن هذا الحلم لم يكن سهل التحقيق.

بدأت القصة عندما حصلت على فرصة نادرة؛ قبولها في برنامج سري تموله إحدى الشركات الكبرى، حيث يعمل نخبة العلماء على تطوير تقنية تُعرف بـ"النواة الفكرية"، شريحة متطورة تُزرع في الدماغ لتعزز الذكاء والقدرة على حل المشكلات. لكن هناك سر خطير يحيط بهذا المشروع؛ لم يكن الغرض الحقيقي منه واضحًا.

مع مرور الأيام، بدأت زهراء تشك في نوايا الشركة، وبدأت تتلقى رسائل غامضة من مجهول يحذرها من الاستمرار. كان هذا المجهول يزودها بمعلومات عن اختفاء بعض العلماء الذين عملوا على المشروع من قبل. فضولها دفعها للبحث عن الحقيقة، فاكتشفت أن هذه الشريحة قد تكون أداة تحكم بالعقول بدلاً من أن تكون وسيلة لتحفيزها.

بدأت زهراء في مراقبة الشركة وجمع المعلومات من مصادر مختلفة. التقت بزميل في الجامعة يُدعى ياسين، وهو شاب عبقري في البرمجة والاختراق الرقمي، أخبرها أنه كان يعمل سابقًا مع بعض العلماء الذين اختفوا فجأة. انضمت إليه زهراء، وبدآ معًا في كشف تفاصيل المشروع السرية. استطاعا التسلل إلى مختبرات الشركة في إحدى الليالي، حيث اكتشفا ملفات سرية تكشف أن "النواة الفكرية" لم تكن تهدف إلى تطوير العقل بل إلى التحكم بالبشر عبر الذكاء الاصطناعي.

عندما أدركا الخطر الذي يحيط بهما، قررا التصرف بسرعة. تواصلا مع مجموعة سرية من المعارضين الذين كانوا يعملون على كشف مؤامرات الشركات الكبرى. لكن لم يكن الأمر بهذه السهولة، فقد تم اكتشاف أمرهما، وبدأت مطاردة شرسة في شوارع بغداد المستقبلية. الطائرات الأمنية والروبوتات المقاتلة كانت تبحث عنهما في كل مكان، فاضطرا إلى الاختباء في أحياء قديمة من المدينة حيث لا تصل التكنولوجيا بسهولة.

خلال تلك الأيام العصيبة، اكتشفت زهراء أنها ليست الوحيدة التي تحلم بالتغيير، فهناك العديد ممن فقدوا أحبائهم بسبب تجارب هذه الشركة. شعرت بمسؤولية كبرى تجاههم، وقررت أن تحول هذا الاكتشاف إلى سلاح ضد الظلم.

بعد عدة محاولات، تمكنت زهراء وفريقها من اختراق أنظمة الشركة وبث تسجيلات سرية تكشف خطتهم للعامة. انتشر الخبر كالنار في الهشيم، وبدأ الناس في الثورة ضد هذه التكنولوجيا المسيئة. لكن هذا لم يكن كافيًا، إذ قررت الحكومة التدخل لصالح الشركات المسيطرة.

في المواجهة الأخيرة، تمكنت زهراء وفريقها من زرع فيروس إلكتروني في شبكة الشركة، ما أدى إلى تدمير مشروع "النواة الفكرية" بالكامل. مع انهيار النظام، تمت استعادة السيطرة على عقول البشر، وأُجبرت الشركة على الاعتراف بجرائمها أمام المجتمع.

بعد هذا الانتصار، لم تتوقف زهراء عن الطموح، فقد أسست مع فريقها مركزًا للأبحاث يهدف إلى تطوير تكنولوجيا تفيد الإنسان دون المساس بحريته. أدركت أن النضال من أجل المستقبل العادل لا ينتهي، لكنه يبدأ بحلم، ويستمر بإصرار.

رواية "زهراء في بغداد المستقبل" ليست فقط قصة خيال علمي، بل هي رحلة ملهمة عن الإصرار، عن تحدي المستحيل، وعن اكتشاف القوة الحقيقية التي تكمن داخل كل فرد يسعى لتحقيق حلمه، مهما كان الواقع قاسيًا.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"القلعة المهجورة: رحلة البقاء على قيد الحياة"

*قصة عمر: رحلة من بغداد إلى أمريكا*

في غرفة الموسيقى