مقعد القطار رقم 9

صورة
لم يكن يوم الثلاثاء يحمل أي مفاجآت بالنسبة لـ"سليم"، شاب ثلاثيني يعمل كمصمم جرافيك حر، يقيم في عمّان، ويقضي يومه بين شاشته المضيئة وفناجين القهوة المتناثرة على الطاولة. ومع الوقت، تحولت رحلته الأسبوعية إلى إربد بالقطار، كل ثلاثاء، إلى عادة مملة لكنه مضطر لها، فهناك مشروع تصوير خاص يتابعه لأحد المعارض الفنية. كان يركب القطار نفسه، في التوقيت نفسه، ويجلس دوماً في مقعده المفضل: رقم 9، بجانب النافذة، حيث يستطيع أن يغرق في عالمه الخاص ويهرب من صخب الواقع. في أحد تلك الصباحات الرمادية، وبينما كان يخطو خطواته المألوفة نحو المقعد، لاحظ شيئًا غريبًا. فتاة شابة تجلس في مقعده، أو على الأقل المقعد الذي أصبح يعتبره ملكًا شخصيًا له. كانت ترتدي معطفًا رماديًا واسعًا، وشعرها مرفوع بخفة، وعيناها مثبتتان على رواية مفتوحة بعنوان "وتلك الأيام". جلس بجانبها بصمت بعد أن تحقق من رقم تذكرته مرتين، ثم همس لها بلطف: "أعتقد إنك قاعدة بمكاني…" رفعت الفتاة عينيها إليه، وبابتسامة هادئة ردت: "آه؟ أوه، آسفة، بس أنا همّ تذكرتي 9B. أنت 9A، على الجهة الثانية." ضحك سليم بهدوء. لم ي...

"قلب بغداد: قصة حب في مقهى الذاكرة"

 في قلب *مدينة بغداد* القديمة، حيث الأزقة الضيقة المتشابكة تتناثر فيها رائحة القهوة والمطاعم الشعبية، كان هناك *مقهى صغير* يُسمى "مقهى الذاكرة". كان هذا المقهى ملاذًا للكثير من سكان المدينة الذين يأتون لاحتساء فنجان من القهوة والتحدث عن الماضي، بينما تجري الأحاديث في أجواء هادئة بعيدة عن صخب الحياة اليومية. كان المقهى مكانًا يعكس *الروح العراقية* القديمة، حيث الجدران المملوءة بالصور الفوتوغرافية القديمة والكتب التي تركها الزوار على الرفوف.


كانت *سارة*، شابة في العشرينات من عمرها، تحب هذا المكان بشكل خاص. كانت تذهب إلى هناك بعد يوم طويل من العمل، تجلس في ركن هادئ، تعكف على قراءة كتبها المفضلة. كانت سارة فتاة هادئة بطبعها، تحب العزلة والتأمل في الحياة، ورغم أن حياتها كانت مليئة بالضغوطات اليومية كمديرة مشاريع في إحدى الشركات الصغيرة، إلا أن مقهى "الذاكرة" كان مكانها المثالي للهروب من روتين العمل.


ذات يوم، بينما كانت سارة تجلس في مكانها المعتاد، دخل إلى المقهى شخص غريب. كان *عادل*، شاب في الثلاثينات من عمره، ذو ملامح حادة ونظرة عميقة في عينيه. حمل في يده *كتابًا قديمًا*، أظنه كان يحمل بين صفحاته أسرارًا لا يريد أحد أن يعرفها. كان عادل يبدو مختلفًا عن باقي الزوار، فقد تجنب التحدث مع أي شخص وتوجه مباشرة إلى الطاولة القريبة من نافذة المقهى.


سارة، التي كانت معتادة على الهدوء، لم تستطع أن تمنع نفسها من مراقبته من بعيد. كان عادل يقرأ الكتاب بعناية شديدة، وكأنه غارق في عالمه الخاص. رغم أنه لم يكن يتحدث مع أحد، كانت هناك *هالة غامضة* تحيط به، ما جعل سارة تشعر بشيء غريب.


مرّت الأيام، وعادت سارة إلى المقهى في اليوم التالي، وإذا به يجلس في نفس المكان، يقرأ نفس الكتاب. كان هناك شيء غريب في ذلك، فكأنما *قدرهما مشترك*. قررت سارة في تلك اللحظة أن تبدأ الحديث مع هذا الشخص الغريب.


اقتربت منه بخجل وقالت: *"هل تعتقد أن الكتب يمكن أن تقرأنا؟"*، كان السؤال مفاجئًا، لكنها كانت تشعر بأن هناك شيئًا ما يدفعها لهذا الحديث.


رفع عادل نظره عن الكتاب، وحدق بها للحظة قبل أن يبتسم برقة، وقال: *"أعتقد أحيانًا أن الكتب ليست مجرد كلمات. هي أيضًا مرآة تعكس أفكارنا، مشاعرنا، وأحيانًا حتى ما نخفيه داخلنا."*


شعرت سارة بشيء غريب في قلبها، وكأن حديثه يحتوي على *معاني أكبر* مما قيل. تلك اللحظة كانت بداية لشيء لم تكن تتوقعه. بدأت *اللقاءات تتكرر* بينهما في المقهى. أصبح الحديث بين سارة وعادل جزءًا من روتينها اليومي. كان حديثهما يدور حول الأدب، والفن، والحياة، وكانت سارة تكتشف في عادل شخصًا عميقًا، *مغلفًا بالغموض*، لا يظهر مشاعره بسهولة. ولكن بين الكلمات، كان هناك *رابط خفي* بينهما.


كلما تحدثا أكثر، بدأت سارة تشعر بشيء غريب في قلبها. *هل هو حب؟* أم مجرد *فضول*؟ لم تكن متأكدة، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت *تنتظر لقاءه* بفارغ الصبر، وتحلم بتلك اللحظات التي تشاركها معه.


في أحد الأيام، بينما كان الجو ربيعيًا والسماء صافية، كان عادل يقرأ كتابه المفضل على طاولته المعتادة في المقهى، بينما كانت سارة تجلس على الطاولة القريبة منه. كان الحديث بينهما عن *الفلسفة* والوجود، وفي تلك اللحظة، شعر عادل بشيء داخل قلبه يضغط عليه. *هل هذا هو الوقت المناسب ليعبر عن مشاعره؟*


نظر إليها بعينيه العميقتين وقال: *"سارة، لا أعرف كيف أبدأ، ولكن منذ أن دخلت حياتي، أصبح كل شيء مختلفًا. فكرت بك كثيرًا، وأنا أشعر أنني لا أريد لهذه اللحظات أن تنتهي."*


شعرت سارة بارتباك في قلبها، لكنها أجابت بحذر: *"عادل، أنا أيضًا أشعر بشيء غريب. لكنني لا أعرف ماذا أقول."*


كانت تلك اللحظة هي النقطة الفاصلة في حياتهما. أصبح كل شيء بينهما أكثر وضوحًا، وأصبحا يدركان أنهما يشتركان في *رابط خاص*، رابط لا يمكن إنكاره. 


ومع مرور الأيام، بدأت سارة وعادل في بناء علاقة جديدة بينهما. أصبح المقهى هو *مكانهما المفضل*، حيث يعبران عن مشاعرهما وأحلامهما معًا. كانت *أحاديثهما* أكثر عمقًا، وكانت مشاعرهما تنمو بشكل طبيعي. بدأ عادل يكتب قصصًا مستوحاة من لحظات حياتهما معًا، وسارة كانت تكتب أفكارها في دفترها، مشاركته لحظات السعادة والألم معًا.


في أحد الأيام، بينما كان عادل يكتب في المقهى، قرر أن يشارك سارة شيئًا مهمًا. *"سارة..."* قال عادل بصوت منخفض، *"أريد أن أكتب معك فصولًا جديدة من حياتنا. لا أريد أن تكون هذه اللحظات مجرد ذكريات. أريد أن نكون معًا إلى الأبد."*


كانت عيون سارة تلمع بالدموع، ولكنها لم تستطع إلا أن تبتسم له وتجيب: *"وأنا أيضًا، لا أريد لهذه القصة أن تنتهي. سأكون معك إلى الأبد."*


كانت تلك هي البداية لرحلة جديدة بينهما، رحلة من الحب والمشاركة. بدأا معًا في *كتابة فصول حياتهما المشتركة*، حيث كان كل يوم معًا يشبه *فصلًا جديدًا*. كان المقهى هو المكان الذي يجمعهما، *مكانهما الخاص*، حيث كانا يكتبان قصة الحب التي بدأت في قلب بغداد القديمة.


في يوم من الأيام، بينما كانا يتجولان في أحد شوارع بغداد القديمة، توقف عادل فجأة وأخذ يد سارة في يده. نظر إليها وقال: *"سارة، أريد أن أكتب معك إلى الأبد. لا نهاية لهذه القصة."*


ابتسمت سارة، وقالت: *"وأنا، لن أتركك أبدًا."*


ومنذ تلك اللحظة، أصبحا معًا، يكتبان قصة حياتهما في *قلب بغداد*، حيث لا شيء أجمل من أن تجد شخصًا يناسبك تمامًا في كل شيء، ويكون معك طوال رحلة الحياة.


---


*النهاية*.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"القلعة المهجورة: رحلة البقاء على قيد الحياة"

*قصة عمر: رحلة من بغداد إلى أمريكا*

في غرفة الموسيقى